راجية الفردوس عضو متميز
الجنس : عدد المساهمات : 123 تاريخ التسجيل : 01/04/2011 العمل/الترفيه : القراءة والكتابة
| موضوع: شرح الحديث : الثلاثاء أبريل 19, 2011 8:06 am | |
| شرح الحديث :
ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف , و لينزلن أقوام إلى جنب علم , يروح عليهم بسارحة لهم , يأتيهم لحاجة , فيقولون : ارجع إلينا غدا , فيبيتهم الله , و يضع العلم , و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم القيامة “ .
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة” 1 / 139 : رواه البخاري في “ صحيحه “ تعليقا فقال ( 4 / 30 ) : “ باب ما جاء فيمن يستحل الخمر و يسميه بغير اسمه . و قال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري و الله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... “ فذكره . و قد وصله الطبراني ( 1 / 167 / 1 ) و البيهقي ( 10 / 221 ) و ابن عساكر ( 19 / 79 / 2 ) و غيرهم من طرق عن هشام بن عمار به . و له طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد , فقال أبو داود ( 4039 ) :حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به . و رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن بشر به . قلت : و هذا إسناد صحيح و متابعة قوية لهشام بن عمار و صدقة بن خالد , و لم يقف على ذلك ابن حزم في “ المحلى “ , و لا في رسالته في إباحة الملاهي , فأعل إسناد البخاري بالانقطاع بينه و بين هشام , و بغير ذلك من العلل الواهية , التي بينها العلماء من بعده و ردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها , مثل المحقق ابن القيم في “ تهذيب السنن “ ( 5 / 270 272 ) و الحافظ ابن حجر في “ الفتح “ و غيرهما , و قد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها , يسر الله تبيضه و نشره . و ابن حزم رحمه الله مع علمه و فضله و عقله , فهو ليس طويل الباع في الاطلاع على الأحاديث و طرقها و رواتها . و من الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث . و قوله في الإمام الترمذي صاحب السنن : “ مجهول “ و ذلك مما حمل العلامة محمد بن عبد الهادي تلميذ ابن تيمية على أن يقول في ترجمته في “ مختصر طبقات علماء الحديث “ ( ص 401 ) : “ و هو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث و تضعيفه , و على أحوال الرواة “ . قلت : فينبغي أن لا يؤخذ كلامه على الأحاديث إلا بعد التثبيت من صحته و عدم شذوذه , شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به , و علم الكلام الذي يخالف السلف فيه , فقد قال ابن عبد الهادي بعد أن وصفه “ بقوة الذكاء و كثرة الاطلاع “ : “ و لكن تبين لي منه أنه جهمي جلد , لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل , كالخالق , و الحق , و سائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا , كالرحيم و العليم و القدير , و نحوها , بل العلم عنده هو القدرة , و القدرة هي العلم , و هما عين الذات , و لا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجردة أصلا و هذا عين السفسطة و المكابرة . و قد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق و الفلسفة , و أمعن في ذلك , فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة “ . غريب الحديث الحر ) الفرج , و المراد : الزنا . ( المعازف ) جمع معزفة و هي آلات الملاهي كما في “ الفتح “ . ( علم ) هو الجبل العالي . ( يروح عليهم ) بحذف الفاعل و هو الراعي بقرينة المقام , إذ السارحة لابد لها من حافظ . ( بسارحة ) هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها , و تروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها . ( يأتيهم لحاجة ) بيانه في رواية الإسماعيلي في “ مستخرجه على الصحيح “ : “ يأتيهم طالب حاجة “ . ( فيبيتهم الله ) أي يهلكهم ليلا . ( و يضع العلم ) أي يوقعه عليهم . فقه الأحاديث :يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها : أولا : تحريم الخمر , و هذا أمر مجمع عليه بين المسلمين و الحمد لله , غير أن طائفة منهم و فيهم بعض المتبوعين خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة ! و أما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة , مثل ( السكر ) و هو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ , و ( الجعة ) و هو نبيذ الشعير , و ( السكركة ) و هو خمر الحبشة من الذرة , فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه , و أما القليل منه فحلال ! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم . و هذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر , كقول عمر رضي الله عنه : “ نزل تحريم الخمر يوم نزل و هي من خمسة أشياء من العنب و التمر و العسل و الحنطة و الشعير . و الخمر ما خامر العقل “ و كقوله صلى الله عليه وسلم : “ كل مسكر خمر , و كل خمر حرام “ و قوله : “ ما أسكر كثيره فقليله حرام “ . أقول : هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص و غيرها , فهو مخالف للقياس الصحيح و النظر الرجيح , إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره , و بين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر ? ! و هل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر , فكيف يحلل هذا و يحرم ذاك و العلة واحدة ?! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل العلم لولا صحة ذلك عنهم , و أعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه من أهل القياس و الرأي !!قال ابن القيم في “ تهذيب السنن “ ( 5 / 263 ) بعد أن ساق بعض النصوص المذكورة : “ فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن و خوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس , مع كثرة النزاع فيه . فإذ قد ثبت تسميتها خمرا نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا . فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم , و القياس في الحكم . ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها , لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه , و إن لم يسكر , و هذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه , و قليله يدعو إلى كثيره . و هذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة , فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات و هو باطل , فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم , فكيف و فيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها , و لا اشتباه في معناها , بل هي صحيحة . و بالله التوفيق “ . و أيضا فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي , لأنه لا يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة ( الكحول ) في الشراب , فرب شراب قليل , كمية الكحول فيه كثيرة و هو يسكر , و رب شراب أكثر منه كمية , الكحول فيه أقل لا يسكر و كما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين و صحتهم , كما هو ظاهر بين , و حكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب و هي التي تقول : “ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك “ , “ و من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه “ . و اعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة و القياس الصحيح معا في بعض المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه , الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة عقله و تفكيره و عقيدته لغير معصوم , مهما كان شأنه في العلم و التقوى و الصلاح بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب و السنة إن كان أهلا لذلك , و إلا سأل المتأهلين لذلك , و الله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) . و بالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم فهو مأجور على خطئه , للحديث المعروف , لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه , و أما من وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا , ثم أصر على تقليدهم على خطأهم , و أعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو و لا شك على ضلال مبين , و هو داخل في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها و لا يفيده شيئا تسميته لما يشرب بغير اسمه مثل الطلاء , و النبيذ , أو ( الويسكى ) أو ( الكونياك ) و غير ذلك من الأسماء التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الكريمة . و صدق الله العظيم إذ يقول : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم و آبائكم ما أنزل الله بها من سلطان ) . ثانيا : تحريم آلات العزف و الطرب , و دلالة الحديث على ذلك من وجوه : أ قوله : “ يستحلون “ فإنه صريح بأن المذكورات و منها المعازف هي في الشرع محرمة , فيستحلها أولئك القوم . ب قرن ( المعازف ) مع المقطوع حرمته : الزنا و الخمر , و لو لم تكن محرمة ما قرنها معها إن شاء الله تعالى . و قد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذ , كالطبل و القنين و هو العود و غيرها , و لم يأت ما يخالف ذلك أو يخصه , اللهم إلا الدف في النكاح و العيد , فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه , و قد ذكرته في ردي على ابن حزم . و لذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها , و استثنى بعضهم بالإضافة إلى ما ذكرنا الطبل في الحرب , و ألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية , و لا وجه لذلك ألبتة لأمور : الأول : أنه تخصيص لأحاديث التحريم , بدون مخصص , سوى مجرد الرأي و الاستحسان , و هو باطل . الثاني : أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم , و أن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم , فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم , و أربط لقلوبهم فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم , و يصرفهم عن ذكر ربهم , قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا , و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) . الثالث : أن استعمالها من عادة الكفار ( الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر , و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله , و لا يدينون دين الحق ) فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم , لا سيما فيما حرمه الله تبارك و تعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى . و لا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة آلات الطرب و الموسيقى , فإنهم و الله عن تقليد يفتون , و لهوى الناس اليوم ينصرون , و من يقلدون ? إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب و الملاهي , لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده , و قد عرفت أنه صحيح قطعا , و أن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق بيانه , و ليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة , مع أنهم أفقه منه و أعلم و أكثر عددا و أقوى حجة ? ! لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل , و معنى التحقيق العلمي كما لا يخفى أن يتتبعوا الاحاديث كلها الواردة في هذا الباب و يدرسوا طرقها و رجالها , ثم يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف , ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من ناحية دلالتها و فقهها و عامها و خاصها , و ذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم أصول الحديث و أصول الفقه , لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم و لكانوا مأجورين , و لكنهم و الله لا يصنعون شيئا من ذلك , و لكنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها , ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة زعموا . دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب و السنة , و كم شرعوا للناس بهذه الطريقة أمورا باسم الشريعة الإسلامية , يبرأ الإسلام منها . فإلى الله المشتكى . فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك , و سنة نبيك , و لا تقل : قال فلان , فإن الحق لا يعرف بالرجال , بل اعرف الحق تعرف الرجال , و رحمة الله على من قال : العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول و بين رأي فقيه كلا و لا جحد الصفات و نفيها حذرا من التمثيل و التشبيهثالثا : أن الله عز و جل قد يعاقب بعض الفساق عقوبة دنيوية مادية , فيمسخهم فيقلب صورهم , و بالتالي عقولهم إلى بهيمة .. قال الحافظ في “ الفتح “ ( 10 / 49 ) في صدد كلامه على المسخ المذكور في الحديث : “ قال ابن العربي : يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة , و يحتمل أن يكون كناية عن تبدل أخلاقهم . قلت : و الأول أليق بالسياق “ . أقول : و لا مانع من الجمع بين القولين كما ذكرنا بل هو المتبادر من الحديثين . و الله أعلم . و قد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة و خنازير لم يكن مسخا حقيقيا بدنيا , و إنما كان مسخا خلقيا ! و هذا خلاف ظاهر الآيات و الأحاديث الواردة فيهم , فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه الاستبعاد العقلي , المشعر بضعف الإيمان بالغيب . نسأل الله السلامة . رابعا : ثم قال الحافظ : “ و في هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه , و أن الحكم يدور مع العلة , و العلة في تحريم الخمر الإسكار , فمهما وجد الإسكار , وجد التحريم , و لو لم يستمر الاسم , قال ابن العربي : هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها , ردا على من حمله على اللفظ “ !
| |
|