أبو مازن عضو نشيط
الجنس : عدد المساهمات : 28 تاريخ التسجيل : 06/05/2011 العمل/الترفيه : تقافة و ادب المزاج : عادي
| موضوع: من انا الجمعة مايو 06, 2011 9:39 am | |
| من أنا
من وسط خيام الصحراء اندلعت صرخاتي الأولى معلنة عن ولادة روح الأصالة و الإبداع . في الدهناء نشأت و من واحات البلح أكلت . و من زمزم ارتوت عروقي و تشبعت. بعمامة توشيت و بجبة تلحفت . الإسلام ديني و محمد صلى الله عليه و سلم رسولي و القرآن دستوري و الحديث مرشدي في هذا العالم المعقد. حياتي رتبتها و رسمت خطوط مناهجها مستندا إلى عدل دستوري و كماله. فبنيت حضارة حرصاتها من عاج يستحيل اقتلاعها. أنا القائل الخيل و الليل و البيداء تعرفني و الرمح و السيف و القرطاس و القلم سيعلم الجميع ممن ضم مجلسنا بأنني خير من سعى به القدم أنا الذي ملأت الدنيا شعرا تغنت به الأمم و أنا الذي أسكرت كلماتي من ادعى الفصاحة و علم البلاغة. فأعجزت لسان من حاول السير على منهاجي. أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صمم أنا صانع العمران و الجبر و الهندسة و الطب.أنا الذي وصلت بشكي إلى طريق اليقين. نعم أنا ، أنا ذاك المفكر و الباحث و المعلم و الأديب ، أنا و بكل فخر ذاك العربي أنا الذي بنيت المملكة التي امتدت أطرافها إلى أن لامست بلاد السند و الهند. إلا أن نبوغي قد انقلب ضدي. مللت الصعود بعد أن وصلت إلى القمة . لم أدر كيف أحافظ على نقاوة جنسي. ففتحت قصوري إلى غريب جاء يلتمس لقمة من نعيمي ، لأني شهير بسخائي و كرمي ، فأجلسته إلى جنبي و بذلت له العطايا. فخانني و فتح أسوار قصري لتملأ إخوانه أروقة القصر بعد أنت شهر بكرمي . لم اطرد من جاء يطلب الراحة في بيتي بل رحبت به . و للأسف لم أدر أن رحابة صدري هذه ستكون كنف جثتي. لقد فتحت بابي لغريب طماع كان يلهث وراء ثرواتي التي جمعتها منذ آلاف السنين. أنا الغف الذي طعن نفسه و قتل روح الإبداع و أحيا روح البلادة و المجون في نفسه . فصنعت حياة لهو رفقة رفاق لازموني لحظة احتضاري، فعلى يميني غلامي و جاريتي، و سلطاني الذي أطربت مسامعه مدحا في تغطرسه و تجبره و ظلمه و سفكه لدماء الأبرياء. وعلى يساري جالسني عودي و دفي و أموالي التي سلبتها من خزائن حاكمي الألكع. مرت السنين و أنا أحتضر في فراش الموت المملوء شوكا بعد أن كنت أرقد على أنعم الأسرة. فجأة، و في يوم من الأيام وجدت نفسي مطروحا على قارعة الطريق مغلولا بسلاسل مصددة غير قادرين عن الحراك.فتيقنت أنني طردت من قصوري و صرت عبدا بين أيدي العدو . ذاك العدو الذي بعته نفسي بعد أن استغل سذاجة عقلي. عقلي الذي كان في شبابه ينبع حكمة و حين شاخ صار يهذي و لا يدري ما يقول إن العدو وغد أبدى مسالمة إذ رأى منك يوما غرة وثبا من أنا ؟ هذا السؤال يتكرر في ذهني كل يوم.كلما نظرت إلى مرآتي، أنظر و أتساءل أين عمامتي؟ أين جبتي؟ و ماهذا الذي فوق جسدي؟ العصر تغير، نعم هذا ما أحاول أن أقنع به نفسي ، و أنا أتأقلم مع التطور. لقد تغيرت ظاهريا و لكن روحي لا تزال تحن إلى الماضي إلى ذاك العصر الذي كان تاجي يبرق ألماسا أما الآن فرأسي عار تغطيه شعيرات شارفت على الزوال . لقد تغيرت ولكن هذا التغير لم يعد في صالحي، فلساني عاجز عن الإبداع و يدي عجزت عن صنع البديع و الغريب الذي يفيدني و يفيد أمتي، وعقلي صار حجرا متجمدا لا يفكر.لقد أصبحت آلة تأكل و لا تزرع و تشرب و تسقي الزرع، و في المقابل صرت عبدا لسيد وغد يكرهني و يرغمني على العمل لصالحه. أذم إلى أهل هذا الزمان أهاليه فأعلمهم قدم و أحزمهم وغد أنظر إلى حضارة صنعتها يداي الشريفتان طيلة قرون طويلة تتحطم أمام عيناي الدامعتان في يوم و ليلة. بغدادي سقطت و أنا الذي بعتها بأبخس الأثمان. بعتها لسيدي ليضاعف لأجري و أشتري أفخر السيارات.بعتها لأنني لم أغفر ذنب أخي الذي أخطأ في حقي و حق إخوتي،بعتها لأنني جبان لا أعرف كيف أخلص الأشواك التي أحاطت بكتاب قضية بغدادي.و ماذا جنيت؟رأس أخي يقدم يوم حفلة شوائي. فهل أنا سعيد بعظمة هذا الانجاز؟ نعم هذا أنا، أنا الذي حكمت الدنيا بكتبي و أدبي أصبحت الآن أضحوكة يسخر منها العدو.أنا الذي ملكت نصف العالم بكلمات تسحر الأذن و باختراعات تذهل العين، أضحت تحكمني شاشة لا يتجاوز حجمها حجم رأسي.أبهرتني بما تحمله من عجائب و غرائب و سحبتني داخل كهفها المظلم لأصير عنكبوتا في إحدى أركانها صار لي فكر لا أدري ما هي أصولها أهي ماركسية مالية أم خليط يجمع بينهما؟ أين مبادئي و قيمي داخل هذا الخليط؟و أين أنا وسط هؤلاء؟ سأتغافل عن كل هذه الأسئلة و أهتم بسؤال واحد أثار حيرتي من أنا؟ أنا و للأسف فرد من هؤلاء أعيش و أتواجد معهم غير أنني غير موجود جسدي حاضر و عقلي غائب . أنا و أقولها بكل خجل ذلك العربي ، نعم أنا ذاك الفتى اليوم . أنا الذي ضحيت بشهامتي و فتوتي لأعجب جاريتي اللعوب و بعت كرامتي لأجني بثمنها كأس خمر تسكر صحوة فكري . أنا الذي بعت قدسي لأسكن هذا القصر الموحش ، وحيدا منعزلا مغتربا، مستلب الذات . أنا الذي فتحت أبواب بغدادي موطنا للجواري الخائنات اللاتي سرقن عرشي و سملن عيناي و فتحن أسوار بغدادي لتملأ صدري بنبال عشاقهن الأوغاد.نعم ،أنا ذاك الغبي الذي وضع نقطة زيفت أصل اسمه.
| |
|