أبو مازن عضو نشيط
الجنس : عدد المساهمات : 28 تاريخ التسجيل : 06/05/2011 العمل/الترفيه : تقافة و ادب المزاج : عادي
| موضوع: حديث الليل الجمعة مايو 06, 2011 9:41 am | |
| في سكون الليل حيث الناس نيام حدثت هذه الأحداث خلف قضبان الظلام. حديث الليل مجموعة من القصص أحداثها نفت سكون الليل و ألبسته أحداثا تختلف عن أحداث النهار . قصص حبلى بأحداث تحايث الواقع المعيشي فحملتنا إلى عالم المآسي و الأحزان في بعض الأحيان مثل قصة "وردة بين الأشواك" . حكايات دمرت نواميس الليل فحاكت حكايات آنست نهارنا. ليل كشف ما كان مستورا في النهار و أزاحت مساحيق النفاق التي غطت الوجوه في وضح النهار مثل قصة"تحت الشرفة"; قصة كشفت ما كان مكنونا في النفوس ففضحت العيوب و نقدت مجتمعا انغمس في بئر النفاق و الكذب و الرياء و الخداع لوجوه تقنعت في وضح النهار و خادعت الأبرياء. حديث ليلي فضح معاناة براءة قاست ظلم سكان النهار في قصة "ليلة تحت أضواء الشموع".و حديث ليلي آخر كشف متعة الحياة في النهار وذلك ضمن قصة "الحب المفقود" حكاية فتاة عثرت عما كان مفقودا في روحها. في سكون الليل نفكر و نتعمق و نبحث كذلك كانت ليلة سنان في قصة "ليلة الاحتفال بعيد الأمهات" قصص ليلية حركت سكون الليل و آنست نجومه و كشفت عن ما هو مستور.
امضاء مروة بن عبد الجليل
---------------------------------------------
كلمة مروة
يقال طول الصمت حبسة و لكن الشاعر يقول ماندمت يوما على سكوتي و لكنني ندمت على كلامي مرارا ويقول الرسول صلى الله المرء بأصغريه قلبه و لسانه فالكلام هو كلمات يتفوه بها اللسان و الشفتان و لكن هذا الكلام ليس مجرد كلام بل حديث معبر عما يختلج داخل النفوس.
-------------------------------------
تحت الشرفة أسدل الليل ستائره و تكبد البدر السماء الحالكة و ما زاد الليل جمالا انتشار النجوم المتلألئة كفوانيس رمضان و دفعت هذه الليلة الصيفية شديدة الحر أغلب سكان المدينة إلى التوجه لبعض المناطق الساحلية التي كانت ألطف جوا. وفي إحدى أحياء المدينة ،احتفلت عائلة السيد أحمد بحفل زواج ابنته البكر و توجهت نساء الحي إلى منزل السيد أحمد لمقاسمة السيدة خديجة فرحتها بابنتها البكر. فتوجت كل واحدة منهن ابنتها بأغلى الحلي و أجمل الثياب و أغلاها و كل واحدة منهن تطمح بنيل فارس أحلامها هذه الليلة كيف لا و السيد أحمد يعد من أهم شخصيات البلاد و بالطبع المدعوون سيكون من أهم الشخصيات و أثراهم. امتزجت الأجواء بخليط من الزغاريد و الغناء و الرقص و جل الفتيات يتمايلن مع الأنغام أو بالأحرى النشاز المنبعث من الفرقة الغنائية و قد قيل أنها من أضخم الفرق الموسيقية و أرفعها أجرا. أما العم هادي فقد فضل الجلوس في الشرفة ليستمتع بهذا النشاز و في نفس الوقت يتخلص من حرارة الجو التي طغت على جسده فأمسك العم هادي بالمسبحة و ألقى بجسده على كرسيه الهزاز فكانت شفتاه تتمتمان و أصابعه تمرر حبات المسبحة برشاقة الحبة تلو الأخرى و عيناه تتأملان الشارع الخالي من خلال حائط الشرفة القصير . الجميع في الحفل يتمايلون إلا هو فضل المكوث في المنزل حتى زوجته فضلت الذهاب معهم علها تخفف من شدة حر هذا القيظ. و بعد مرور ساعتان من سكون الشارع و خلوه من المترجلين على عكس أجواء الحفل التي زعزعت الجدران، سمع العم الهادي وقع أقدام تخطو تحت شرفته فتسارعت شفتاه بالتسبيح و ارتبكت أصابع يديه و توقفت عن التحريك و اكتفى بتحريك لسانه و تبلور فوق جدار المقابل ظلال تتقدم نحو العمارة التي يقطن فيها و بعد تدقيق و تمعن وتبصر أيقن من أن أصحاب الظلال هي السيدة عائشة جارته رفقة بنتاها و هن عائدات من الحفل قاصدات منزلهن و كن يتحدثن حول موضوع لم يستطع العم هادي فهمه جيدا فألصق كرسيه الهزاز جانب الحائط و أرهف السمع محاولا الإصغاء لحوارهن - ما أحر هذه الليلة قالت البنت الكبرى - صدقت، قالت الأخرى،أرأيت يا أمي ذلك الشاب الوسيم الذي أعجبك مظهره و قلت إنه ينتمي إلى عائلة ثرية كان يرمقني بنظرات يملؤها الإعجاب و الاستحسان؟ بلى، البدر أكمل كل شهر مرة و جمال وجهه كل يوم يكمل، أنشدت الأم بطرب و أضافت قائلة آه لو خطبك سيكون يوم المنى قالت الأخت الصغرى ، حينها ستفوزين بالمال و الجمال.... و ابتعدت الأسرة من تحت شرفة العم هادي و تعسر عليه سماع بقية الحوار فقال الشيخ مخاطبا نفسه " لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم أشكر الله على العقل و العافية هل أصبحت النساء خاطبات لا ينقص هذه الأم سوى الذهاب إلى منزل الشاب و خطبته لابنتها ، لا يهتممن بشيء غير المال يا لجشعهن فأنا حين تزوجت لم يكن في حوزتي غير راتبي و الحمد الله غني بما يفتقر أمثال هؤلاء أملك قصورا من الحب و كنوزا من الاحترام و ملايين المعجبين بكرم أخلاقي" أخذ كرسيه بالاهتزاز فقال منشدا فإن تسألوني بأحوال النساء فإنني خبير بأصول النساء طبيب و مع مرور برهة من الزمن مر من تحت شرفة ثلة من لشباب كان لهم رأي حول حفل الزفاف _ أرأيت تلك الفتاة ما أقصر تنورتها؟ قال الأول - بلى و صديقتها تتمايل و ترقص ضانة من نفسها ملكة جمال و هي كالقرد، قال الآخر لكن رقصهن جميل آه، صدقت خاصة تلك التي كانت ترتدي فستانا أحمر لقد سلب جمالها عقلي- و ما إن تفوه الشاب بتلك الكلمات اهتز الحي بأكمله بأصداء القهقهات العالية المنبعثة من أفواههم المخمورة _ و ما أدهشني أن أمها كانت ترمقها بنظرات الإعجاب و كأنها ملكة جمال قال الآخر _ لو كانت أختي ترقص مثلها لفصلت رأسها عن باقي جسدها قبل أن تفضحنا - بل لو ارتدت أختي ثيابا مخلة بالآداب لقطعته على جسدها قبل أن تشوه صورة العائلة - يظنون أنهم متمدنون بتلك الثياب _ بل سيعنسون بثيابهم و اختفت الأصوات مخلفة وراءها صدى الضحكات العالية. فاعتدل العم هادي في جلسته و قال كالمخاطب نفسه" أستغفر الله الواحد القهار ما أقبح هؤلاء الشباب أهؤلاء آباء المستقبل أهؤلاء هم جيل المستقبل؟يمنعن أخواتهن من لبس الخليع و يمتعون أبصارهم بأجساد الأخريات يا للوقاحة أليست تلك أخت لغيره؟" أحس الشيخ المسكين باختناق و تألم لمصير الزوجة التي ستزف بشاب محمل بأفكار كهذه. و سرعان ما عادت حالة العم هادي العصبية إلى حالتها العادية و نسي بسرعة سبب غضبه و دعا لهم بالهداية وعاد إلى تمتمته العادية و توقف فجأة كأنه تذكر شيئا مهما فقال كالمخاطب نفسه" و الله لو أغلقت الفتيات نوافذهن لما سمحن لأمثال هؤلاء بالتوغل و التعليق عما رأوه عبر ما هو مفتوح " و مع مرور بعض الوقت سمع ضوضاء تدنو من تحت الشرفة فاقترب من سطح الشرفة و أرهف السمع _ أمي أرأيت ثوب العريس إنه جميل أليس كذلك ؟قالت البنت، ترى من أي محل يا ترى قد اكترته؟ _ الله أعلم قالت الأم و لكن أرأيت زينة العروس؟ أفسدت ملامح وجهها و لم يلاءم الثوب جسدها الممتلئ أظنه سيكون أجمل على جسدك الرشيق _ بالطبع و هل عندك شك؟ غابت الأصوات مخلفة وراءها صدى ابتسامات ساخرة. تعجب العم هادي من تصرف جارته سوسن كان يظنها امرأة محترمة خاصة وهي تتمتع بوظيفة محترمة فاقت الوظائف التي تشتغل قيها معظم سكان الحارة. السيدة سوسن ستحتفل بزفاف ابنتها الشهر القادم وهي الآن تذم عروس الجارة و كما يقول الشاعر ما لم ينظر في عواقب الأمور لا يكون الدهر له بصاحب " أهذه هي ابنة سالم ذاك الرجل الطيب أرجو أن لا يكون هو الآخر مثل زوجته هذه الحية الرقطاء لا شك و أن لها دورا كبيرا في صنع فتاة أفعى كهذه من يا ترى هذا المسكين الذي سيتزوج قردة كهذه؟ " دلفت زوجته إلى داخل المنزل فحيته بابتسامة لطيفة و ألقت بجسدها المليء فوق الأريكة فاهتزت أرجل الأريكة لثقل وزنها، و أخذت المسكينة تلفظ أنفاسها و كأنها تلتقط آخر نفس يربطها بهذه الحياة فلما رآها زوجها أحس بانقباض شديد فهب من مقعده و حمل لها كأسا من الماء البارد عله يرفه عنها و رش وجهها بماء الورد ليخفف عنها حرارة جسدها و مع مرور بعض الوقت و لما أحس أنها ارتاحت قال لها _ نصحتك بعدم الذهاب إلا أنك كنت ملهوفة على الخروج و كأنك قاصدة الجنة _ دعني أرفه عن نفسي قليلا و أحطم منظر هذه الجدران من ناظري _و ماذا أفادك الهواء الطلق و الموسيقى الصاخبة ؟ كان وراء سؤال العم الهادي اختبار لزوجته أراد أن يتيقن إذ أنها مثل السيدة سوسن أراد أن يتيقن بأن طبع زوجته هو ذاك الطبع الذي يعرفه منذ اليوم الأول الذي تزوجها فيه. _ و الله أحسست بانشراح كبير الكل سعد لمجيء و التقيت بجميع الجارات فتسامرن و تحدثنا و أقسم بالله العلي العظيم بأني ما نهشت لحم أحد و ما تكلمت في غيب أحد كما تعرف زوجتك و هذا سبب سعادتي فكما ذهبت إلى الحفل مليئة الجسد خفيفة الروح عدت كذلك
------------------------------------
الحب كما قيل أوله جد و آخره هزل فالحب من أرقى المشاعر و الأحاسيس التي تتجذر بالذات الإنسانية و يصعب اقتلاعه منها. فالحب طهارة ونقاء للروح و كل محب يختزن مشاعره و أحاسيسه الكبرى في شيء بسيط و جميل و لكنه يحمل أنبل المشاعر، لكن أغلب المحبين يميلون إلى الورود، تلك النبتة البسيطة التي حملت رسائل عجز اللسان عن نطقها.
وردة بين الاشواك
استيقظت من نومها بتثاقل تحت صياح الديكة النشيطة. فنهضت من سريرها القاسي وهي تفرك جفنيها الناعسين ثم اتجهت نحو المطبخ لتجهيز طعام الإفطار . هذه هي حياة حنين تلك الفتاة اليتيمة التي تقطن رفقة أخيها حاتم في كنف بيت مهترىء داخل أحضان الصواريخ الصهيونية وسط كومة من البيوت المخربة. حنين فتاة لم تتجاوز الثامنة عشرة سنة بهية الطلعة حسنة الملامح تطابق في حسنها قول الشاعر هيفاء يخجل غصن البان قامتها لم يحك طلعتها شمس ولا قمر وتوج جمالها الخلقي بعرش ملكة الطيبة و حسن الأخلاق فقد اشتهرت بشدة حياءها و شدة حنانها وعطفها ولين قلبها و احترامها للكبير و حبها للصغير. واقتصرت حياة حنين في ثلاث شؤون تمضي في قضاءها طيلة أيام الأسبوع وتتمثل أساسا في انشغالها بقضاء شؤونها المنزلية والخروج للمستشفى لمساعدة شقيقها الجراح و أحيانا تقوم ببعض الأعمال التطوعية المتمثلة في تعليم الصغار القراءة والكتابة في المساجد. و ذات يوم بينما كانت حنين تقوم ببعض الأعمال المنزلية إذ بها تسمع وجيه (ضجيج) أمام باب المنزل فأسرعت مستطلعة الأمر و أرهفت السمع فتيقنت من أنه صوت شقيقها. -يا محمد أنت في حاجة إلى مأوى الآن... تعال إلى منزلي و سأرسل أختي للعيش رفقة جارتنا العجوز ميمونة فهي عجوز طاعنة في السن وحيدة لن ترفض إذا أقامة أختي معها فقد دعت أختي لمؤنستها مرات عديدة فلن ترفض إذ أطالت شقيقتي المكوث عندها هذه المرة. _ و لكن هذا محرج ...... لا أستطيع ...... شكرا لك على كل حال فقاطعه حاتم قائلا _ لا...........أنت صديقي و في ظروفنا الحالية لا وقت للشعور بالخجل نظرت حنين من خلال فتحة الباب إلى صاحب هذا الصوت العذب فقد أغرمت بصوته قبل أن ترى ملامح وجهه عشقته عندما أوصافه ذكرت و الأذن تعشق قبل العين أحيانا و لما نظرت إلى ملامح وجهه عبر فتحة الباب أحست بمحركات قلبها قد توقفت، شاب من أحسن الشبان يكل عن وصفه اللسان. تأملت تقاسيم وجهه المليح و أصغت لعذوبة صوته الرخيم و فجأة تقدم شقيقها تجاه المنزل فارتبكت حنين و لم يكن أمامها سوى الفرار إلى المطبخ و تظاهرت بانشغالها ببعض الشؤون. _ حنين... _ نعم يا أخي العزيز _ تعالي .... لي خبر يجب أن أناقشه معك فتساءلت ببلاهة _ خيرا إن شاء الله _ صديقي محمد فقد عائلته و منزله اثر انفجار قنبلة ناسفة و أنا تشاورت مع الخالة ميمونة بشأن مكوثك معها ريثما يقتني محمد منزلا جديدا. _ حسنا سأذهب الآن لتجهيز ملابسي و انتقل محمد للعيش رفقة زميله في العمل. فكانت حنين تنشغل بتنظيف المنزل وترتيبه و إعداد الطعام أثناء خروجهما للعمل ثم تعود أدراجها لمنزل العجوز فحين عودتهما. و قد ازداد إعجاب حنين بمحمد وولعها به فكلما تطلعت في تقاسيم وجهه المليح أحست بانشراح كبير في صدرها و لم تكن حنين المغرمة الوحيدة بقصص الحب المتمثلة في تبادل النظرات و الابتسامات فقد وقع محمد في شرك الحب الأعمى و ولع بجمالها الأخاذ. و أراد مفاتحة شقيقها بشأن خطبتها و لكنه تردد خوفا من أن يظن حاتم أنه يطمع بالظفر بالمنزل فأراد تأجيل أمر الخطبة بعد العثور على
منزل. و لكن القلب لا يعرف طريق الصبر فخشي من أن يخطب حنين شاب آخر فتحلى ببعض الشجاعة و عزم على مفاتحة محمد بأمر الخطبة فقال له ذات ليلة -حاتم أنت صديقي منذ زمن طويل و أنا ممنون لك و لن أنسى جميلك ما حييت و أنا لي طلب بسيط و أرجو أن لا تسيء فهمي.... _ أنا صديقك منذ الطفولة يا محمد و لن أسيء الظن بك أبدا فسرك سري و لم يحد صداقتنا أسرار أليس كذلك؟ _ بالطبع و أنا لجد سعيد بثقتك الشديدة لي.... في الواقع كنت أطمع بأن أزيد من صلابة وثاق صداقتنا والقصد أني أريد أن أحل سهلا و أحل على أختك بعلا فانشرح صدر حاتم لدى سماعه هذا الخبر وقال _ نعم الرفيق و نعم الزوج و لكم تمنيت حصول هذا الحدث العظيم منذ زمن طويل و أنا الآن فهمت مصدر خجلك و أنا أأكد لك ثقتي الكبيرة في صدقك و حسن نيتك و أنا أطلب منك المكوث رفقتي مدى الحياة إذا قبلت بك أختي زوجا و أنا سأغضب إذا رفضت دعوتي وكما يقول الشاعر لحافي لحاف الضيف و البيت بيته و لم يلهني عنه غزال مقنع _ حسنا و لكن أتظن أن شقيقتك سترفضني _ غدا نعلم ارتمى محمد فوق سريره فتطاير النوم من عينيه لطول التفكير فقبع طول الليل يتقلب كأنه نائم على جمر اللظى. في الصباح الباكر أسرع حاتم صوب منزل الحاجة ميمونة فطرق الباب طرقات متتالية فخرجت حنين مستطلعة هوية الطارق فما أن رأت وجه أخيها أحست بانقباض شديد فظنت أن مكروها حدث لمحمد فلاحظ حاتم ارتباكها الشديد فاقترب منها وعانقها مهدئا إياها و أخبرها سبب قدومه و استشارها في موضوع خطبتها. و ما أن سمعت الخبر أحست بحرارة شديدة قد طغت على جسدها و تمنت لو أن الأرض انشقت و ابتلعتها لشدة الخجل و الحياء فهي
لم تسبق أن تحدثت مع شقيقها في موضوع يخص حياتها العاطفية من قبل أو بالأحرى لم يسبق لها أن تحدثت مع شقيقها في موضوع شخصي حول حياتها الشخصية فكل المواضيع التي يتحدثان عنها انحصرت في مناقشة الأحوال السياسية المتردية التي طغت على البلاد و أحيانا مناقشة تضاعف حجم المصابين و المستشهدين في المستشفى و أحيانا يستذكران الحنان الأبوي الذي حرمه منهما المستعمر. و عندما لاحظ حاتم ارتباك أخته و صمتها اعتقد أنها غير موافقة فتساءل بقلق _ هل أنت موافقة؟ فطأطأة رأسها معبرة عن موافقتها مخفية ابتسامة لطيفة بين ثنايا كمها. فأسرع حاتم للمنزل مبشرا صديقه بموافقة أخته. و ما أن سمع محمد بالخبر قفز فرحا وأنشد طربا قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ما لذة العيش إلا للمجانين ثم جننت فهاتوا ما جننت به إن كان يشفي جنوني فلا تلوموني و انطلقت بذلك استعدادات العائلة لحفل الزفاف و استنجدت حنين بمساعدة جارتها لبنى التي ستخيط لها ثوب الزفاف أما جارتها ميمونة فقد اهتمت بإعداد حلويات الزفاف أما الشباب فقد تفرغوا بتصليح المنزل و تجهيزه. فمضت الأيام و الأسابيع و لم يبقى إلا أسبوع واحد على موعد الزفاف وعقد القران. فاجتمعت العائلة و الأصدقاء في منزل حاتم وحنين و أخذوا يتشاورون في وضع اللمسات الأخيرة للحفل المنتظر و بينما كانوا في حديث و نقاش إذ بهم يفزعون على صوت طرقات مسارعة على باب المنزل شبيهة بصوت الرصاص المنبعث من الرشاشات فهب محمد من مقعده و أسرع في فتح الباب فإذا به نوار ابن جارتهم خديجة القاطنين خلف منزلهم . و نوار هذا صبي يبلغ اثنا عشرة سنة قدم من منزله طالبا يد العون من جيرانه و ذلك بسبب الانفجار الذي حدث قبل دقائق في عمارتهم. فهبت العائلة كلها لنجدته و ما أن وصلوا إلى مكان الانفجار هالتهم المناظر البشعة فالأراضي مخضبة بالدماء و الرؤوس متدحرجة هنا و هناك أياد و أرجل متراكمة تحت أكوام التراب و الجثث أخرجت من تحت الحطام مسودة الوجوه و الثياب. و ارتمى الحاضرون في إزاحات الحجارة و إخراج المصابين و المستشهدين. و قد أمضت العائلة الليل بأكمله و هم ينقبون على الجثث الأحياء منها و الأموات و عند السحر انصرفوا من ساحة الوغى سائرين و إلى منازلهم قاصدين. هذه المواجع و المصائب تحدث بين الفينة و الأخرى و هي تعتبر أحداثا عادية بالنسبة إليهم و لن يؤجل بسببها حفل زفاف حنين. و لكن المستعم لم يكتف بانفجار واحد بل تواصلت الانفجارات لمدة أربعين يوما فانشغلوا بالعمل في المستشفى ليلا و نهارا و نسوا أمر الزفاف . و مضت ستة شهور متتالية و أقرت العائلة بتعيين يوم الخميس موعدا جديدا للزفاف. و أدخل هذا الحدث البهجة في قلوب الأصدقاء و الجيران الذين ملوا من الأحزان جراء المجازر التي حدثت لهم. و يوم الأربعاء خرج محمد لقضاء بعض الحاجيات لحفل الزفاف فحدث ما لم يكن متوقعا. جاء شاب في مقتبل العمر ليفجر قنبلة لها تأثير أضخم من متفجرات المستعمر فلو أن قنابلهم كانت تفجر الأجساد فان قنبلة هذا الشاب تفجر القلوب و الأحاسيس فأعلمهم بأن محمد خطيب حنين قد أصيب بإصابات بليغة و هو الآن في المارستان فما أن سمعت حنين هذا الخبر هبت مسرعة إلى المستشفى حافية القدمين من شدة هول المصيبة التي حلت بها. فهذه هي المرة الثانية التي يؤجل من خلالها حفل الزفاف. وصلت إلى المستشفى دامية القدمين جراء دوسها على الأحجار و الأشواك التي ألقيت أمام طريقها. "يا الله ما هذا الحظ العاثر فكلما اقترب الفرج ينقلب إلى نكد...... يالله صبرني على هذه المصيبة" دخلت حنين إلى غرفة خطيبها لتطمئن عليه. كان غارقا في غيبوبته مضمدا موصولا بقارورة السائل المغذي. و عند خروجها من غرفة خطيبها سقطت من عينيها الجميلتين دمعتان ممزوجتان بمرارة القهر و الحزن فحضنها شقيقها و قبلها مخففا عليها هول المصيبة و قال لها بصوت يملؤه الحنان و الرقة _ يا أختاه هذا أمر مكتوب على جباهنا بتقدير من الله عز و جل و جرى القلم بما حكم و لا ينفعنا إلا الصبر . مكث محمد مدة شهر في المستشفى و ما أن استعاد عافيته أعادوا ترتيب حفل الزفاف و دعت حنين الله بكل جوارحها بأن يتم حفل الزفاف بخير هذه المرة. و في اليوم الموعود تم تزيين الحي بالشرائط الملونة و اجتمعت الأحباب و الأصحاب للمشاركة في الأفراح و تصدر العروسان و الشيخ بينهما و الشهود واقفة إلى جانبهما ووزعت الحلويات و المشروبات و عمت الزغاريد الأجواء و غطت الموسيقى صراخ الرضع المزعج و امتلأت أنحاء الدار بالحاضرين . الكل سعيد الكل يشارك في الفرح لكم انتظروا هذه اللحظة السعيدة التي عثرتها الأقدار و لكن محمد و حنين صبرا على ما كتب الله لهما و كما يقول الشاعر بني آدم لا يهزأ بك الأمل عن كل ما ادخرت كفاك تنل وقف العريسان للبس خواتم الزفاف ,تلك الخواتم الصغيرة لكنها كبيرة في دورها هي رمز للحب و الوفاء بل رباط مقدس يجمع القلوب و يربطها بطقوس الزواج و عاداته و تقاليده. ألبس العريس العروس خاتمها الماسي و حان دور حنين لوضع الخاتم في بنصر زوجها و لكن قبل أن يستقر الخاتم في مكانه المحدد نزل عليهما الساحق و اللاحق و البلاء اللاحق و طرق باب منزلهما هذه المرة هازم اللذات و مفرق الجماعات و مخرب البيوت و معمر القبور . لقد أرسل المستعمر هذه المرة المتفجرات و الصواريخ المدمرة على منزل حنين و حاتم و حرموهما من إتمام حفل الزفاف الذي عرقلوه مرات و مرات. لقد كتب على طيرا اليمام بالفراق كان نصيبهما منعدما في هذه الحياة كان مكتوبا عليهما اللقاء هناك في جنات الفردوس الأعلى قرب الشهداء ’ قرب الأنبياء ، مشروبات الزفاف من نهر الكوثر ، الحلويات ستكون من جنات عدن ، و سيوزع حور الجنة المشروبات و الحلويات ، هنا لن يحضر جميع أفراد عائلة حنين و محمد حفل الزفاف ، لكن هناك سيحضرها الجميع ، أبوها ، أمها، جدها، خالتها، كلهم سيحضرون، بئسا لهؤلاء الكفرة المجرمين ، ظنوا أنهم حطموا هذا الزفاف برشاشاتهم و مدافعهم و لكنهم أرسلوهم لإتمامه في مكان أرقى و أجمل وأكثر أمانا، فسبحان الله الحي الذي لا يموت و قد خلق و قضى عليهم بالموت وهو أول بلا ابتداء و آخر بلا انتهاء. ---------------------------
كلمة مروة الحب من أرقى و أسمى المشاعر النابعة من الذات هذا الحب الطاهر الذي حصر في عضلة القلب بيد أنه أكبر حجما من عضلة القلب .هذا الحب الذي ابتدأ بحب الله عز و جل ثم تفرع إلى حب رسوله محمد صلى الله عليه و سلم فغرسا فينا زهرة حب الوالدين و من الحياة تعلمنا حب الأصحاب و من التجارب الدنيوية سلمنا مفاتيح قلوبنا لمن يستحق نيل حبنا مدى الحياة
الحب المفقود - أكره نفسي أكره هذا الأنف الكبير النحيل أكره جسمي المليء أكره عيناي الجاحظتان أكره فمي المنتفخ آه، كم أكره شعري فهو لا يشبه شعر أختي الجميل يا إلهي كم أكره هذا الوجه القبيح. هكذا قالت جمانة مخاطبة نفسها بينما كانت في تأمل لملامح وجهها و قوامها هذا الصباح أمام المرآة. هذه الفتاة التي لم تتجاوز الثامنة عشر سنة ملأت روحها و جسدها عقدا. تظن نفسها أبشع المخلوقات التي وجدت على سطح الأرض ففي أغلب الأحيان كانت تفضل الفرار من أمام المرآة تجنبا لرؤية قسمات وجهها و يوم تلتقي عيناها بنظراتها المنعكسة فوق المرآة تشبع نفسها سبا و شتما. وبينما كانت في صراع مع نفسها إذ بوالدتها تناديها فهرولت مسرعة إليها ملبية نداء الواجب. طلبت منها أمها بأن تذهب إلى جدتها لتوصل إليها بعض الأطعمة و بعض الدواء التي كانت في أمس الحاجة إليها. فارتدت جمانة معطفها الأحمر الذي حاكته لها جدتها .و خرجت من منزلها و إلى دار جدتها قاصدة. استقلت جمانة الحافلة ووضعت بالكرسي المحاذي سلة الأطعمة و بينما كانت منشغلة في تأمل جمال الطبيعة الخلاب عبر النافذة إذ بشاب لطيف أقبل عليها مستأذنا الجلوس مكان السلة انفلتت الكلمات من لسان جمانة و لم تدري ما ستقوله، شاب سحرها بجماله الأخاذ بهي المنظر كأنه البدر في تمامه بجبين أزهر و خد أجمر و شعر كأنه الدر و الجوهر لم يتجاوز العشرينات من عمره. رمقته بنظرات مشبعة بالخجل و راودها ارتباك شديد فأومأت برأسها معلنة بذلك عن موافقتها ثم حملت السلة ووضعتها على ركبتيها فجلس الشاب شاكرا إياها بابتسامة عريضة كشفت وميض أسنانه البيضاء _ اسمي جمان عرف بنفسه مادا يده للتعارف "جمان و جمانة اسمان لطيفان" قالت مخاطبة نفسها ثم صافحته مبتسمة _ و أنا جمانة _ إلى أين أنت ذاهبة؟ تساءل بلطف "أمي لم توصني بعدم مخاطبة الغرباء"خاطبت نفسها بمكر _ لزيارة جدتي المريضة فرمقها الشاب بنظرة تعجب و قال _ رداء أحمر و سلة مليئة بالطعام أرجو أن لا أكون أنا الذئب " ياليت الذئاب في قدر جمالك" فأطرقت رأسها خجلا وابتسمت ثم قالت _ أعوذ بالله _ أما أنا فقد جئت لتسلم شغلي في المدرسة التي في الضاحية. تواصل الحديث بينهما كانت تسأل وهو يجيب و بعد برهة توقفت الحافلة و توقف قلبها هنا انتهى اللقاء هنا ستدفن حكاية أول لقاء خفق قلبها فيه. نهض جمان من مكانه و ساعد جمانة على النهوض خرجا في صمت يغطيه غشاوة من الحزن على هذا الفراق الشبيه بالرحيل.وقفا في المحطة متقابلان وقفا في صمت رهيب"أهذا هو الحب الذي افتقدته نفسي ....أهذا هو نقيض الكره..... أنا التي طغى الكره على قلبي و لم يفسح لي المجال للبحث عن حب تائه داخل قلوب غيري"قالت مخاطبة نفسها،ثم أضافت"ألن يحطم قيود هذا الصمت.......هيا تكلم.......قل أنك تحبني.......قل أنك أحببتني من أول نظرة ...........لا ترمقني بنظرات كهذه" __ أتسمحين بكتابة عنوانك الإلكتروني "أخيرا نطقت" - طبعا ثم تناولت قلما وورقة من حقيبة يدها وكتبت له العنوان و في الأخير ودعته بابتسامة لطيفة. سارت بين ثنايا الأحياء و الأزقة، تتلاعب بخصلات شعرها المجعد و تنشد أحلى الأشعار _ البدر أكمل كل شهر مرة و جمال وجهك كل يوم يكمل و حلوله في قلب برج واحد ولك القلوب جميعهن منازل " يوم و لا في الأحلام و كما يقال في روايات ألف ليلة وليلة هذه الحكاية لو دونت على أماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر من كان يظن أنني سأقول كلمة أحب في يوم ما" وقفت أمام منزل جدتها ودقت منزلها دقات ة منغمة معبرة عن فرحتها الشديدة فخرجت جدتها وحضنت حفيدتها بين ذراعيها الدافئتين و أدلفتها داخل المنزل فجلستا تتحدثان و تتسامران و هذا ما أثار استغراب الجدة ففي العادة لا تطول مدة مكوث جمانة في بيتها أكثر من ساعتان متتاليتان هذا إذا دلفت إلى داخل المنزل و عند الغروب خرجت جمانة من منزل جدتها و ارتمت بين أحضان طريق العودة للمنزل. و لما وصلت إلى المنزل ارتمت في حضن والدتها و قبلتها فقالت لها أمها متسائلة باستغراب - هل أنت مريضة؟ - لا بل سعيدة دخلت إلى غرفتها وهي تتنطط فرحا أمام دهشة أمها.ارتمت على فراشها ثم فتحت الحاسوب و كتبت عنوان جمان و لحسن حظها كان على اتصال بالأنترنات و بادرها برسالة الكترونية. و مرت الأيام و توطدت العلاقة بينهما فتارة يتواصلان عبر الرسائل الالكترونية و أحيانا عبر الاتصالات الهاتفية. لقد تطورت وسائل التعارف و أصبحت أيسر ففي القديم كان الحبيب يلاقي أشد أنواع التعذيب عند رغبته في إيصال أشعاره إلى الحبيبة .و يوم تنكشف اسرار علاقة الحب التي بينه و بين عشيقته يمنع الوصال بينهما .فالحب قديما كان يختص بصفة مميزة فالاذن هي التي تعشق بعد سماع صوت الحبيبة من وراء الستار: عشقته عندما أوصافه ذكرت و الأذن تعشق قبل العين أحيانا توطدت العلاقة بين جمان و جمانة بمرور الأيام والأسابيع فنشأت علاقة حب بينهما و اكتشفت جمانة أن حبيبها يقطن في نفس المدينة التي تقطن فيها و لا يبعد منزله سوى بضع مترات عن منزلها فاستغربت لعدم ملاحظتها لوجوده رغم أنه كان يمر يوميا أمام منزلها قاصدا الجامعة و أنه كان معجبا بها منذ مدة و كان يتفنن في البحث عن طريقة مناسبة لمفاتحتها في هذا الموضوع إلى أن شاءت الأقدار و جمعتهما داخل الحافلة. و في ليلة من الليالي و بينما كانت جمانة في حوار معه إذ بأمها تقاطع تواصل هذا الحوار و تدعوها للقدوم لتناول العشاء فاعتذرت لجمان عن عدم قدرتها على مواصلة الحوار و عن ضرورة المغادرة لتلبية نداء أمها المقدس فتمنت له ليلة طيبة و أغلقت الخط . وفي طريق خروجها استوقفتها صورتها المنعكسة على مرآة الشؤم و لكن هذه المرة اختلف الحال فجمانة الحاضر ليست جمانة الماضي. تسمرت الفتاة أمام المرآة و دققت في ملامح وجهها و كشفت غشاوة التشاؤم عن وجهها و اكتشفت لأول مرة في حياتها أنها تحمل ملامح مليحة "ما أجمل شعري رغم هذه التجعدات البسيطة إنها تجعله كثيفا و هاتان العينان ماأجمل لونهما العسلي إنهما كالعسل الصافي كما يصفهما جمان.." و ظلت جمانة تتغزل بنفسها و لأول مرة في حياتها أمام المرآة تمدح ما كانت تذمه و بالصدفة مرت أختها بجانب غرفتها لتطمئن عليها فلقد مر زمن طويل منذ أن نادتها والدتها وهي لم تلبي النداء و لأول مرة ترى جمينة شقيقتها أمام المرآة تبتسم فهي في العادة تسب و تذم ما ترمقه عيناها، فركت عينيها من الدهشة و صاحت _- جمانة - ماذا؟ تساءلت بفزع - أختاه، أنا لا أصدق ما تراه عيناي - بل صدقي، قالت بكل ثقة جمانة لاحظت عليك هذه الأيام بروز عدة تغيرات عديدة تغلغلت داخل شخصيتك و في سلوكك حتى في طريقة كلامك أصبحت تهتمين بمظهرك كثيرا و صرت كثير الجلوس على الكمبيوتر هلا أخبرتني ما السبب؟ - سأعترف لك بالسر الخطير لقد تغيرت لأنني وجدت من يغيرني ،عثرت عن من يهتم بأفكاري و آرائي دون السخرية مني وجدت أذنا حسنة الإصغاء و قلبا واسع الترحاب و لسان عذب الكلام و صوتا ينشد أطرب الأنغام اصطدم قلبي بقلب شخص غير مشاعري من مشاعر حقد و كره إلى مشاعر مشبعة بالحب و يملؤها التفاؤل و الابتسام فمنحني ما حرمت منه طيلة حياتي أهداني أذنا تصغي لمشاغلي و قلب يمسح عني قسوة الحياة ...... قاطعتها شقيقتها قائلة - أنت التي لم يعرف الحب طريق باب قلبك أصبحت تحبين؟ - نعم أنا...أنا التي كنت أبحث عن راع لهمومي إلى أن وجدته أنا التي نعتموني بالمجنونة صرت الآن مجنونة حب.... نعم أقر بأنني عثرت على من كانت نفسي تبحث عنه طيلة السنين التي انقضت نعم هو ذاك الحب التائه.........الحب التي فقدته نفسي و غدا سيصير خطيبي و أنت أول العالمين.
----------------------------------------
كلمة مروة أوطاننا غطاء يدفئ أجسادنا من برودة الغربة فلا تهدر دماء شهداء عملوا لأجلك، شهداء ماتوا لتعيش ، رضوا بالذل لتعيش كريما، منحوك وطنا يغمره الأمن والاستقرار،فساهم بتطويره ليبقى علم بلادك عاليا مرفرفا قاهرا حسد الأعداء، أحب وطنك ليحبك.
ليلة تحت اضواء الشموع أوقدت جمينة عود الثقاب ثم أشعلت شموعا تجمع حولها الأطفال الأربع مشكلين حلقة كزهرة الأقحوان. و هذا التجمع الصغير كان بمثابة لقاء تعارف لهم فهذا اليوم كان أول لقاء لهم. فتحت جمينة ملف الحوار ووقفت معرفة بنفسها قائلة - السلام عليكم أدعى جمينة أصيلة مدينة غزة عمري ثماني سنوات فقدت إخوتي و أمي بعد قصف منزلنا بصاروخ المستعمر فوجدت هذا الكهف مكانا مناسبا للاختباء فيه بعد عثوري عليكم فيه ثم وقف آخر و قال - اسمي رامز عمري تسع سنوات فقدت والدي منذ سنة تقريبا أنا أقطن في هذا الكهف في النهار و أخرج لطرد المستعمر من بلادي ثم تكلم آخر و قال - شكرا يا أخ رامز على استضافتك لنا أما أنا فأدعى عبد الله فقدت أبي الذي كان آخر نفر لي في العائلة إثر حادثة قضت على آخر أنفاسه لم يرد عبد الله رواية حادثة موت والده بأدق تفاصيلها و ذلك لما يحسه من ألم و قهر كبيرين يمزقان قلبه إثر روايتها و لكن لمعة الفضول التي كانت تشع من عيون أصدقائه الطامعين في معرفة القصة بأدق تفاصيلها شجعته على التغلب عن مشاعره و حثته على مواصلة الحديث فالليل لا يزال طويل و النعاس لا يزال بعيدا عن أبواب جفونهم فما كان منه إلا طاعة أوامر عيونهم البراقة فاستدرك مكملا قصته - كان أبي قاصدا المتجر لاقتناء بعض اللوازم من المتجر الذي يبعد عن بيتنا خمسين مترا و كما تعلمون فإن الجنود يدققون في تفتيش المواطنين المحليين على عكس المستعمرين المستوطنين في بلادنا مما يسبب تأخر أبي في العودة إلى المنزل. و في بادئ الأمر ظننت أن سبب تأخر والدي هو تعرقله في منطقة التفتيش و لكن المدة تمادت و أعلنت بطني موعد الغداء ثم العشاء و لم أطق صبرا إلى حين موعد فطور الصباح فانصرفت من المنزل سائرا و إلى المارستان قاصدا و هناك كانت الطامة الكبرى عندما أعلموني باستشهاد والدي و الذي تسبب في مقتله مستعمر متعصب كل همه القضاء على العرب فقد كان الوغد عائدا إلى منزله فلحق بأبي المسكين ودهسه عدة مرات بشاحنته الجديدة التي اقتناها خصيصا لقتل العرب و المسلمين و أنا منذ ذلك اليوم المشئوم ووجه أبي المشوه لا يخفى عن ذاكرتي. و ما أن أتم الأخير رواية قصته جلس بتثاقل شديد في مقعده و كأنه كهل كادح عاد للمنزل بعد مرور يوم عمل شاق. و ساد المجلس صمت رهيب يعبر عن مشاركة بقية الأصدقاء لهموم عبد الله المؤلمة. فجأة وقف الطفل الرابع ليلقي خطابه في هذا الاجتماع البريء - أما أنا فلقبوني بمجاهد، أنا أصغر إخوتي و لي خمس إخوة و اثنتا عشرة أختا ، كللهم توفوا في سبيل الوطن فقد اختار إخوتي طريق الجهاد و مواجهة العدو ،رفضوا الخضوع و الركوع لمن أذله الله ، رفضوا الامتثال لأوامر مجرمين و الوقوع في أفخاخهم التي وقع فيها الكثير فقد رفض إخوتي الكنوز التي عرضت عليهم مقابل الغدر بحرمة الوطن و تجلدوا أمام سياط المستعمر و ذلك حبا و إكراما لفلسطين فاللهم ارحمنا و لا تعذبنا و انصرنا و لا تنصر و لا تخذلنا و عافنا و لا تمرضنا و أكرمنا و لا تهنا و لا تؤثر علينا إنك على كل شيء قدير، فإخوتي لم يكتبوا حرفا فوق الكتب و الكراسات و لم ألقوا بمحاضرات في أواسط الجامعات أو في المدارس و لا حتى بالمعاهد و لكنهم علموا آلاف الملايين التي يعجز الدكاترة عن تلقينهم أسهل الدروس معنى كلمتي - "حب الوطن"، فأخي الأكبر محمد مات مستشهدا في سبيل رفع راية الوطن عاليا فأحرق علم العدو من فوق البناية الشاهقة و استبدله بعلم فلسطين ولكن المسكين حرم من متعة مشاهدته من أسفل البناية كما كان يريد أن يراه فقد أصابته رصاصة جندي حقير ، ربما حرم أخي من رؤية رفرفة علم بلادي من تحت البناية و لكن الملايين شاهدوه و أثنوا على صنيعه أما أخي سامر الملقب بالقناص لإتقانه التصويب في الهدف المحدد و قد قتله المستعمر بعد أن تسبب بقتل و إصابة عدة من جنودهم فأعلنوا بذلك نهاية أسطورة القناص ، أما أخي معز فقد دهسته دبابة بعد أن تصدى لها بجسمه الضئيل مانعا إياها من التوغل في حينا فدفع حياته ثمنا لشجاعة فقدها أشهر المقاتلين أما أخواي عصام و مهند فقد استشهدا بعد التفطن بهما يختلسان الأدوية من ثكنات المستعمر و حملها للمستشفيات فحكم عليهما بالقتل شنقا ، أما بقية أفراد أسرتي فقد استشهدوا لأنهم رفضوا الخروج من المنزل فهشم المستعمر جدران بيتنا على رؤوس عائلتي و قد نجوت من الموت لأنني كنت في المدرسة و قد أعلمني جيراني تفاصيل الواقعة فما أن سمعت الخبر أطلقت ساقي للريح و ذلك لأنني لم أعثر على طريقة أخرى أعبر فيها عما أحس به داخل قلبي فقادتني ساقي لهذا الكهف فوجدته منفذا لمراجعة نفسي ورسم خطة محكمة للانتقام ممن حرمني حق طفولتي . أنهى مجاهد تلاوة تفاصيل قصته معلنا بذلك نهاية حصة التعارف بين الرفقة الجدد فوقفت جمينة معلنة عن نعاية حصة التعارف قائلة: - روى كل منا قصة حياته الممزوجة بعلقم الأحزان و قد أصبح طريقنا موحدا بعد أن نزعنا القناع عن وجه مسبب أحزاننا وهو فرد واحد متعدد بأجزائه يلخص في كلمة واحدة وهي " المستعمر" هذا الذي حرمنا حق الحياة و تعدى عن حرمة طفولتنا و سلب الابتسامة من فوق شفاهنا و حرمنا حق العيش في أمان ، حطم منازلنا و هشم مدارسنا حتى مساجدنا التي نتعبد فيها قصفها ليحرمنا حق ممارسة اعتقاداتنا الدينية أيظن أنه حرمنا من الصلاة و الله إنه باستسلامنا و بركوعنا يحلم و نموت و لكن تراب ارضنا باق لن يفنى قبل النفخ في الصور فيا إخوتي في الإسلام دعونا نضع عهدا بيننا و نقسم بأن نتم ما لم يتممه آباؤنا دعونا نضع حدا لغطرسة هؤلاء الأوغاد و ننفي وجودهم كما نفوا وجود أقرب الناس إلى قلوبنا. ------------------------------------------
كلمة مروة أمهاتنا نعمة من الخالق نسأل الله تعالى بأن يديم هذه النعمة علينا و أن يجمعنا معهن في جنات الفردوس الأعلى رفقة الأنبياء. فكونوا أحن الناس عليهن عند العجز و الكبر و لا تطرقوا أبواب جهنم بإدخالهن منازل ليست ببيت لكم.
ليلة الاحتفال بعيد الامهات أحكمت إغلاق الحنفية بعد أن أكملت ترتيب المنزل و تيقنت من تناول أشقائها طعام العشاء ثم اتجهت صوب غرفتها و ألقت بجسدها المنهك فوق سريرها المتهرئ ثم أغمضت جفنيها المتعبين و غاصت في بحر أفكارهاَ " ماذا سأقدم لها يا ترى ؟ أأهديها منديلا مثلما فعلت أختي تغريد؟ لا............لا.......... سيكون ذلك تقليدا ..... أنا البنت الكبرى يجب أن تكون هديتي مختلفة عن إخوتي .... فأخي علي سيقدم لها حلوى... أما أخي سالم فسيقدم لها صورة من تصميمه.هدايا بسيطة و لكنها معبرة عما هو مكنون في قلبه فصورة سالم ستكون أجمل من صورة الموناليزا و حلوى علي ستكون ألذ حلوى تناولتها أمي منذ ولادتها أما منديل تغريد فلن يفارق جيب سترتها.أماه.........أماه ماذا سأهديك يا أعز ما أملك؟ ما الذي سيرضي ملكة الجنة؟ يا من حملتني كرها ووضعتني كرها ، كيف سأعوض عنك آلام المخاض التي عانيتها لأجل منحي نور الحياة ؟ أيكفيك عمري؟ لو كان كاف فلن أضن به عليك ، أماه يا أحن الناس على قلبي يا من أرضعتني حولين من رحيق جسدك ، حرمت نفسك غطاء يحميك قسوة ليال الشتاء الباردة و دثرت جسدي الضئيل، أنت وهبت لي السعادة و راحة البال.فكيف..........فكيف أسدد هذا الدين العظيم........كيف أكافئ ملاكا افترش جسده فوق الأشواك ليحمي جسدي من الجروح الدامية؟ ضحكت لفرحي وبكيت لبكائي و في أيام مرضي سهرت عيناك كالدرع الواقي و خففت دموعك المنهمرة حرارة جبيني الملتهب.......أماه لو طلبت بؤرة عيني لما ترددت في منحك إياها......... و لو عرفت طريق كنوز الدنيا المكنونة منها و الظاهرة لجبت العالم بحثا عنها لأهديك عيش الملوك....و يوم واحد لا يكفي للاحتفال بك .........فيا ليت السنة بأكملها احتفال بعيد الأمهات فتحت سنان عينيها و انتفضت واقفة من فوق سريرها و خاطت الغرفة جيئة و ذهابا فاشتدت بها الحيرة و لم تبلغ قمة مبتغاها فكلما تذكرت المعاناة والدتها التي قاستها و تقاسيها من أجل راحة أبنائها عظم مقام والدتها و اعتبرتها قدوة يستوجب الإقتداء بها فتعود أدراجها إلى دوامة التفكير و تنغمس في بحر أفكارها. قديما كانت تكتفي بإهداء أمها وردة حمراء من بستان جارتها بنان و لكن عند بلوغها سن الرشد انفتحت ستائر الغموض التي اختفت عنها مدة طويلة خاصة بعد وفاة والدها إثر مرض مزمن. و منذ ذلك الحين مثلت والدتهم دوري الأب و الأم فكانت تستيقظ يوميا ساعة السحر فتعد الطعام ثم ترتدي عباءتها ثم تخرج كالطير الجارح الذي يطير من وكره ليقتات غذاء أبنائه و في نفس الوقت يحميهم من هجوم الطامعين في لحم فراخه ، فوالدتها طير كاسر نهشت و سملت عيون القناصة المهددين سلامة أجساد أبنائها و جمال بيتها . وتخرج يوميا مالئة جيوبها بالحجارة و لو كانت أسماء بنت أبي بكر قد نعتت بذات الناطقين لحملها الطعام لتسد به رمق المجاهدين في الإسلام فإن والدة سنان قد جعلت في عباءتها نطاقين لتسد به أفواه الطامعين في سرقة أرضها و أرض أبنائها. هذه هي والدة سنان إمرة لم يطرق الاستسلام بابها ولم يعرف اليأس طريق قلبها، امرأة حديدية صمدت في وجه العدو ، أملها الوحيد توفير بلد آمن لأبنائها ، حلمت بدفع عصابة الجهل عن عيون أطفالها و رسم طريق العلم النير،فقد كان أملها الوحيد أن تحضن شهادات تخرج أبنائها.و لكن أين سيدرسون و مدارسهم سراب؟ و في أي بستان ستنفتح براعم العلم و المساجد مهشمة؟ هذه هي حياة والدة سنان التي أهدت حياتها لأجل وهب أبنائها و أحفادها وطنا مستقلا يسوده أبناء شعبه. طالت مدة التخمين وقل عدد الحيل فاستغرقت في التفكير إلى أن غلبها النعاس فنامت و غاصت في الأحلام. في صباح اليوم التالي استيقضت من نومها إثر وجية عالية تسبب بإحداثها ثلة من الجيران فخرجت مستطلعة سر هذا التجمع المبكر فتساءلت قائلة - هل من خطب ما؟ فلما سمع الجيران صوتها وجهوا أبصارهم نحوها بعيون تخفي وراءها سرا أثار استغرابها فكررت السؤال و لكنهم أعدموا الإجابة فساد الجو صمت رهيب ضاعف من توتر الفتاة و لكن جارتها زينب حطمت قيد هذا الصمت و وجهت نظرها نحو سنان وقالت بصوت يخفي سرا وراء شجاعتها المفاجئة - لا الاه إلا الله وحده لا شريك له الملك و له الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير... قصدت المارستان اليوم عند السحر بحثا عن ابني،في بادئ الأمر ظننت بأن مكروها حصل له ففتشت عنه وسط الثلاجات حيث وضعت الجثث و بمقدرة من الله عز وجل كتب لابني الوحيد عمرا جديدا فوجدته من ضمن المصابين في إحدى غرف المستشفى ولكن حينما كنت أنقب عن ابني لمحت جثة والدتك بين المستشهدين فسبحان الحي الذي لا يموت و قد خلق الخلق و قضى عليهم بالموت وهو أول بلا ابتداء و آخر بلا انتهاء فاللهم صبر هذه المسكينة و........... نزلت هذه الكلمات كالصاعقة ;فأحست و كأن الحياة قد توقفت عن المضي إلى الأمام فثقل لسانها و تجمدت أفكارها فلم تجد الكلمات و لا حتى الحركات المناسبة التي تعبر بها عما تحس به داخلها فتسمرت كالصنم في مكانها دون ان تلفظ بكلمة إلى أن تصاعد الدم إلى وجهها حنقا لهول المصيبة فاشتد احمراره و ارتعشت شفتاها بحثا عن الألفاظ المناسبة التي تقر صدق حنقها و غضبها فأحست بأنها بصدد فقدان جزء من ذاكرتها . و فجأة إثر صفعة خفيفة من يد جارتها التي حاولت إنقاذها من خطر الوقوع في مستشفى المجانين، استفاقت من متاهة النسيان فتمتمت مخاطبة نفسها - عرفت ما سأهديك يا أمي، لقد عثرت على هدية ما فكر فيها طفل و لن يفكر فيها ابن أحب والدته حتى و ا‘ن أحبها إلى حد الجنون، سأهديك هدية ما خطرت ببال أحد قبلي... سأهديك كفنا يدفئ جثتك الباردة.
----------------------------------
رسالة الى اطفال العزة و الكرامة إليكم يا أطفال العزة والكرامة اهدي سلامي و تحياتي وقبلاتي. يا من فقد حلمه في أن يصير طبيبا في الحياة.إني لأشهد لكم بأنكم أطباء خير من ألاف الجراحين . انك يا طفل غزة لطبيب أشربت اليهود جرعات من دواء الشجاعة و الصبر و حقنته من حقن العزيمة والحكمة و شرحته بحجارة من نار فهنيئا لأمك بطبيب و جراح مثلك فإليك تحية من مريضة اشفاها دواؤك ;يا من طببت قلب ملايين العرب و المسلمين من داء الحزن و الألم. و إليك مني شهادة تقدير و إعجاب فبارك الله فيك و نصرك الله و ثبت الله خطاك.
|
| |
|